لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
21302 مشاهدة
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية

السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
كنا قررنا القراءة في كتاب العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني ولكن يشتكي الإخوان أنهم ما وجدوه متوفرا في المكتبات، فنقرأ في هذه الليلة في كتاب الحسبة وكذلك في الأسبوع الآتي إن شاء الله بعده نتوقف بمناسبة الاختبارات، ابتداء من السبت الموافق سبع وعشرين، ولعله في هذه المدة يتوفر الكتاب بإعادة طبعه أو يوجد في المكتبات النائية إن شاء الله.
نقول: كتاب شيخ الإسلام يتعلق بالحسبة التي هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى، ويكون القصد الاحتساب وطلب الأجر من الله تعالى؛ وضعه شيخ الإسلام لمناسبة زمانه، زمانه -رحمه الله- كانت قد انتشرت فيه كثير من البدع، وحصل فيه تسلط كثير من الأعداء الذين يقاتلون المسلمين عموما مثل فتنة التتار ونحوهم، فهم بحاجة إلى من يحتسب؛ الاحتساب في الأعمال التطوعية، التطوع بالأعمال يعني اتخاذها قربة دون أن تكون فريضة، فمن ذلك: تعلم العلم الزائد على الفرض يسمى تعلمه احتسابا؛ وذلك لأنه يتزود لينفع نفسه ولينفع المسلمين فهو محتسب بذلك، لو اقتصر على ما يلزمه فقط ما كان عليه لوم؛ لأنه أتى بما يلزمه وبما هو فرض عليه.
ومن ذلك أيضا الاحتساب بتعليم العلم لمن يحبه ولمن يرغبه؛ قد يكون واجبا إذا اشتدت الحاجة إليه، وقد يكون احتسابا إذا وجد من يعلم ومن يدعو، ومن ذلك أيضا الاحتساب بالدعوة إلى الله، الاحتساب هو أن يتبرع بالدعوة إلى الله تعالى إذا لم تكن واجبة عليه؛ وذلك لأنها قد تتعين قد تجب عليه عندما يرى الجهلة يتخبطون في الجهل، ويرى مثلا العصاة يتعمدون المعاصي، وقد يكون ذلك عن جهل، وقد يكون عن تجاهل وهم بحاجة إلى من يدعوهم، فإذًا إذا رأى أنهم مضطرون إلى تعليمهم صار التعليم والدعوة إلى الله في هذه الحال واجبة عليه محتمة، فأما إذا كانوا على علم، وكان هناك من يدعو ولكن يقع منهم نقص وتقصير فإن الدعوة -والحال هذه- تكون احتسابا بحسب جهد الإنسان، وما تصل إليه قوته وقدرته.
فلا شك أنه يتأكد عليه أن يحتسب في الدعوة، كذلك أيضا مسألة الجهاد، وذلك قد يكون واجبا وقد يكون مستحبا، فإذا كان مستحبا فإن الذي يدخل فيه يصير محتسبا للأجر وطالبا للثواب، وأما إذا كان فرضا فإنه يصير أداء لما أوجب الله عليه. ذكر العلماء أنه يجب في ثلاثة حالات:
الحالة الأولى: إذا حضر الصف تعين عليه الثبات قال تعالى: إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا فلا يجوز تركه والحال هذه.
الحالة الثانية: إذا استنفره الإمام، أو استنفر فلانا وأعيانا وجب عليه؛ لقوله تعالى: مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ إلى قوله: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا .
والحالة الثالثة: إذا دهم العدو البلاد الإسلامية؛ لقوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ما عدا هذه الحالات الثلاث يصير القتال فيها احتسابا؛ أي طلبا للأجر.
كذلك أيضا النفقة، النفقة والصدقات معلوم أن منها ما هو فرض، ومنها ما هو نفل، فالصدقات الزائدة على الفريضة تسمى صدقة احتساب؛ وذلك لأن الذي يتصدق بها يرجو أجرها وبرها وذخرها عند الله تعالى، فكان أجره على قدر نفع تلك الصدقة، فإذا تعين عليه بأن احتيج مثلا إلى دفع الأعداء، أو احتيج إلى تعليم الجهلاء، ويتوقف ذلك على بذل مال كان هذا واجبا، وما زاد على ذلك فإنه يسمى احتسابا.
كذلك من الاحتساب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسمى أهله أهل الحسبة، ولكن الحسبة في الأصل هي: التبرع بذلك هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تبرعا وطلبا للأجر دون أن يكون ملزما، ودون أن يكون موجبا عليه، أو معينا ومتعينا عليه. أما إذا قد كان عين عليه عين لذلك فإنه يصير واجبا عليه، وإذا حدد له شيء من العمل فما زاد عليه يسمى احتسابا؛ ما زاد على الواجب عليه.
ولا شك أن أنواع الاحتساب كثيرة، وسيذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- من ذلك أمثلة تمر بنا إن شاء الله، وكذلك أيضا يذكر ثمرات ذلك والنتيجة التي تصل إليها عاقبة هذه الاحتسابات، وكذلك أيضا ما يحصل بسبب إهمالها وتركها. إذا احتسب أهل الخير وأهل القدرة وأهل المعرفة، وقاموا بأنواع من الاحتساب في هذه الأمور فتحصل لهم الخيرات، فيحصل الأمن ويحصل قوة الدين، ويحصل عزة الإسلام، ويذل أهل الأهواء وأهل البدع، وينقمع الأشرار ويقل نفوذهم، وأما إذا تركوا فإن الشرور تكثر بحيث إنه يعم الفساد ويكثر الشر، ويتمكن الأشرار ويسومون الأخيار سوء العذاب وتفسد الولايات والمعاملات ونحوها، فعرف بذلك أن العمل بهذه الأشياء -احتسابا وطلبا للأجر- فيها مصالح عظيمة تعود إلى المجتمعات كلها، وبالأخص المجتمعات الإسلامية. الآن نبدأ في كلام شيخ الإسلام.